الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي للفتاوي ***
مسألة: في جماعة انتظروا سكتة الإمام بعد الفاتحة ليقرؤا فيها الفاتحة فركع الإمام عقب فاتحته هل يركعون معه ويتركون قراءة الفاتحة أم لا، وقول المحب الطبري يحتمل أن ترتب هذه المسألة على مسألة الساهي عن قراءة الفاتحة حتى ركع أمامه هل هو متجه أم لا وما حكم الساهي المذكور. الجواب: نعم قول المحب الطبري متجه ومسألة الساهي عن الفاتحة حتى ركع أمامه فيها وجهان أحدهما يتخلف لقراءتها وهو الأصح والثاني يركع مع الإمام للموافقة ثم يتدارك ركعة بعد سلامه كما لو تذكر ذلك بعد ركوعه مع الإمام وإذا قلنا بالأول ففيه وجهان أحدهما أنه متخلف لعذر فله التخلف بثلاثة أركان طويلة. وهذا هو الأصح والمجزوم به في المنهاج، والثاني أنه ليس بعذر لتقصيره بالنسيان ويحتمل عندي في المنتظر سكتة الإمام ليقرأ أنه أولى بالتخلف وبكونه معذورا من الساهي لأن الساهي منسوب إلى نوع تقصير وهذا غير مقصر بل محافظ على المأمور به المندوب فإنه يستحب للمأموم أن لا يقرأ الفاتحة حتى يفرغ الإمام من قراءتها فهو آت بما أمر به غير منسوب إلى تقصير. مسألة: رجل اقتدى بالإمام مسبوقا فركع قبل أن يتم الفاتحة وشك هل أدرك زمنا يسع الفاتحة ولكن اشتغل بشيء آخر من دعاء الافتتاح أم لم يدرك زمنا يسع ذلك فما يؤمر به هل يركع مع الإمام أو يتأخر للقراءة. الجواب: لم أقف على نقل في ذلك، والجاري على القواعد أنه كالمسبوق يركع مع الإمام ولا يتأخر لأن الأصل عدم إدراك زمن يسع الفاتحة والأصل عدم الاشتغال بشيء آخر فهذان أصلان متعاضدان كل منهما يقتضي ما قلناه، وأفتى الشيخ جلال الدين البكري في هذه الواقعة بأنه يتأخر ويقرأ كمن اشتغل بدعاء الافتتاح قال لأن شكه في ذلك قرينة على أنه اشتغل به وأن كان الأصل عدمه، وليس هذا بواضح لأنه عمل بالاحتمال المجرد. وطرح للأصل، وأفتى الشيخ زكريا بأنه يحتاط فيركع مع الإمام ويأتي بركعة بعد سلامه وليس بواضح أيضا لأن فيه زيادة ركعة في الصلاة لا نقول بلزومها وأمرا بالركوع قبل إتمام الفاتحة وهو بسبيل من أن يتمها إن قلنا والحالة هذه بوجوب إتمامها. مسألة: مأموم اشتغل عن التشهد الأول بالسجود الذي قبله فلما فرغ من السجود وجد الإمام قد تشهد وقام فما الذي يفعله المأموم هل يتشهد ثم يقوم أو يترك التشهد ويقوم، وإذا قلتم إنه يقوم ويترك التشهد فهل هو على سبيل الوجوب حتى لو خالفه وتشهد بطلت صلاته إن كان عالما عامدا أم لا، وإذا قلتم أنه يتشهد فهل هو على سبيل الوجوب أيضا لأن إمامه كان فعله أم على سبيل الاستحباب فإن قلتم أنه على سبيل الوجوب فخالفه ولم يتشهد فما ترتب على هذه المخالفة وإذا قلتم أنه يتشهد وجوبا أو استحبابا ففعل التشهد وقام فوجد الإمام قدر ركع فهل يركع معه وتسقط عنه القراءة أم يجب عليه أن يتخلف ويقرأ ويكون متخلفا بعذر وإذا قلتم بسقوط القراءة فما الجواب عن قولهم عند الكلام على سقوطها عن المسبوق ويتصور سقوطها عن غير المسبوق وذلك كل موضع حصل له عذر تخلف بسببه عن الإمام بأربعة أركان طويلة وزال عذره والإمام راكع كما لو كان بطيء القراءة أو نسى أنه في الصلاة أو امتنع من السجود بسبب زحمة أو شك بعد ركوع أمامه في قراءة الفاتحة فإن المسؤول عنه ظاهره مباين لهذا الضابط المذكور إن قلتم بسقوطها عنه إذ ليس فيه تخلف بأركان وما معنى التخلف بأربعة أركان فإنه مبطل والمسؤول إيضاح ذلك. الجواب: قد تردد نظري في هذه المسألة مرات والذي تحرر لي بطريق النظر تخريجا أن له ثلاثة أحوال: -الأول أن يكون هذا لبطئ القراءة فتأخر لإتمام الفاتحة وفرغ منها قبل مضي الأركان المعتبرة وأخذ في الركوع وما بعده فلما فرغ من السجود قام الإمام من التشهد، وهذا حكمه واضح في التخلف للتشهد فسقوط القراءة عنه إذا قام وقد ركع الإمام ظاهر. -الثاني أن يكون أطال السجود غفلة وسهوا وهذا لا سبيل إلى تركه التشهد لأنه لزمه بالمتابعة لكن الأوجه عندي أنه يجلس جلوسا قصيرا ولا يستوعب التشهد لأنه لا يلزمه بحق المتابعة إلا الجلوس دون ألفاظه بدليل أنه لو جلس مع الإمام ساكتا كفاه فإن قام وقد ركع الإمام ففي سقوط القراءة عنه نظر لعدم صدق الضابط عليه. -الثالث أن يكون أطال السجود عمدا وهذا أولى من الحال الثاني بتقصير الجلوس وأما سقوط القراءة فلا سبيل إليه جزما لأنه غير معذور أصلا بل عندي أنه لو قيل بأن هذا التخلف مبطل لفحشه لم يبعد لكن لا مساعد عليه من المنقول حيث صرحوا بأن التخلف بركن ولو بغير عذر لا يبطل ولم يفرقوا بين ركن وركن والجري على إطلاقهم أولى. مسألة: مأموم شك في السجدة الأخيرة من آخر صلاته وهو في التشهد الأخير فهل يسجدها قبل سلام الإمام أولا يسجدها إلا بعد سلامه لأجل المتابعة فإن قلتم بأنه يسجدها قبل أو بعد وخالف فهل تبطل صلاته. الجواب: الذي عندي أنه يسجدها عند التذكر قبل سلام الإمام فلا يتأخر إلى بعد سلامه وأكثر ما يقول القائل بأنه يتأخر أنه كمن ركع مع الإمام ثم شك في قراءة الفاتحة ولا يصح هذا القياس لأنه في صورة الركوع انتقل من ركن فعلي إلى ركن فعلي ومتابعة الإمام فيه واجبة وهنا لم ينتقل أصلا بل الجلوس الذي هو فيه هو جلوس بين السجدتين استمر فيه ولم ينتقل عنه وإن فرض أنه أخذ في ألفاظ التشهد فهو إتيان بركن قولي في غير موضعه لا أنه انتقال وأيضا فمسألة الركوع لم يتخلف فيها عن شيء فعله الإمام فإنه أتى بالقيام الذي أتى به الإمام وأكثر ما ترك الفاتحة والأذكار القولية لا فحش في مخالفة الإمام فيها وهنا قد فعل الإمام سجودا لم يفعله هو وقد وجب عليه الإتيان به بحق المتابعة والمشي على ترتيب صلاته فوجب عليه فعله عند تذكره، وأيضا فمسألة الركوع لو عاد فيها كان فيها فعل قيام ثان وركوع ثان وفي هذا مخالفة فاحشة للإمام بخلاف مسألتنا هذه، وأيضا فركن القراءة أضعف من ركن السجود لأن السجود مجمع على وجوبه ولا يسقط بحال والقراءة خلف الإمام من الأئمة من لا يوجبها وتسقط عندنا في صور كالمسبوق ونحوه وأيضا فقد اغتفروا في لركن القولي ما لم يغتفروا في الفعلي من جواز التقدم به والتأخر به وعدم الإبطال بتكرره ونقله - فهذه خمسة فروق بين مسألة تذكر الفاتحة بعد الركوع وبين مسألتنا هذه فإذا ثبت أنه لا يتأخر فلو تأخر كان من باب تطويل الركن القصير.
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد الله الذي لا يقطع من وصله ولا ينصر من خذله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل نبي أرسله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطائفة المكملة، وبعد فقد سئلت عن عدم إتمام الصفوف والشروع في صف قبل إتمام صف فأجبت بأنه مكروه لا تحصل به فضيلة الجماعة ثم وردت إلى فتوى في ذلك فكتبت عليها ما نصه: لا تحصل الفضيلة وبيان ذلك بتقرير أمرين: أحدهما أن هذا الفعل مكروه، الثاني أن المكروه في الجماعة يسقط فضيلتها فأما الأول فقد صرحوا بذلك حيث قالوا في الكلام على التخطي يكره إلا إذا كان بين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بالتخطي فإنهم مقصرون بتركها إذ يكره إنشاء صف قبل إتمام ما قبله ويشهد له من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (أتموا الصفوف ما كان من نقص ففي المؤخر) رواه أبو داود، وفي شرح المهذب في باب التيمم لو أدرك الإمام في ركوع غير الأخيرة فالمحافظة على الصف الأول أولى من المبادة إلى الإحرام لإدراك الركعة وأما كون كل مكروه في الجماعة يسقط الفضيلة فهذا أمر معروف مقرر متداول على ألسنة الفقهاء يكاد يكون متفقا عليه، هذا آخر ما كتبت، وقد أردت في هذه الأوراق تحرير ما قلت بعد أن تعرف أن الفضيلة التي نعنيها هي التضعيف المعبر عنه في الحديث ببضع وعشرين لا أصل بركة الجماعة وسيأتي تقرير الفرق بين الأمرين، ثم الكلام أولا في تحرير أن هذا الفعل مكروه من كلام الفقهاء والمحدثين قال النووي في شرح المهذب في باب الجماعة اتفق أصحابنا وغيرهم على استحباب سد الفرج في الصفوف وإتمام الصف الأول ثم الذي يليه ثم الذي يليه إلى آخرها ولا يشرع في صف حتى يتم ما قبله - هذه عبارته، ولا يقابل المستحب إلا المكروه فإن قيل يقابله خلاف الأولى قلت الجواب من وجهين: أحدهما أن المتقدمين لم يفرقوا بينهما وإنما فرق إمام الحرمين ومن تابعه، الثاني أن القائلين به قالوا هو ما لم يرد فيه دليل خاص وإنما استفيد من العمومات، والمكروه ما ورد فيه دليل خاص وهذا قد وردت فيه أدلة خاصة فضلا عن دليل واحد فمن ذلك الحديث المذكور في الفتوى، وقد رواه أبو داود من حديث أنس قال النووي في شرح المهذب بإسناد حسن، ومن ذلك ما رواه أبو داود وابن خزيمة والحاكم بإسناد 0صحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أقيموا الصلاة وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشيطان ومن وصل صفا وصله الله ومن قطع صفا قطعه الله) ومعنى قطعه الله أي من الخير والفضيلة والأجر الجزيل وقال البخاري في صحيحه باب إثم من لا يتم الصفوف وأورد فيه حديث أنس (ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف) فقال الحافظ ابن حجر يحتمل أن البخاري أخذ الوجوب من صيغة الأمر في قوله سووا ومن عموم قوله (صلوا كما رأيتموني أصلي) ومن ورود الوعيد على تركه فترجح عنده بهذه القرائن أن إنكار أنس إنما وقع على ترك الواجب ومع القول به صلاة من خالف صحيحة لاختلاف الجهتين، وأفرط ابن حزم فجزم بالبطلان ونازع من ادعى الإجماع على عدم الوجوب بما صح عن عمر أنه ضرب قدم أبي عثمان النهدي لإقامة الصف، وبما صح عن سويد بن غفلة قال كان بلال يسوي مناكبنا ويضرب أقدامنا في الصلاة فقال عمر وبلال يضربان أحدا على ترك غير الواجب قال ابن حجر وفيه نظر لجواز أنهما كانا يريان التعزير على ترك السنة، وقال ابن بطال تسوية الصفوف لما كانت من السنن المندوب إليها التي يستحق فاعلها المدح عليها دل على أن تاركها يستحق الذم وهذا صريح في أنه لا تحصل له الفضيلة، وفي الصحيح حديث (لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) قال شراح الحديث تسوية الصفوف تطلق على أمرين اعتدال القائمين على سمت واحد وسد الخلل الذي في الصف، واختلف في الوعيد المذكور فقيل هو على حقيقته والمراد بتشويه الوجه تحويل خلقه عن وضعه بجعله موضع القفا، قال الحافظ ابن حجر وعلى هذا فهو واجب والتفريط فيه حرام قال وهو نظير الوعيد فيمن رفع رأسه قبل الإمام قال ويؤيد ذلك حديث أبي أمامة (لتسون الصفوف أو لتطمس الوجوه) رواه أحمد بسند فيه ضعف، قلت وإذا كان هذا نظير مسابقة الإمام في الوعيد فهو نظيره في سقوط الفضيلة وهو آمر متفق عليه كما سيأتي، ومنهم من حمله على المجاز قال النووي معناه توقع بينكم العداوة والبغضاء واختلاف القلوب، وفي الصحيح أيضا حديث (أقيموا صفوفكم وتراصوا) قال الشراح: المراد بأقيموا اعتدلوا وبتراصوا تلاصقوا بغير خلل، وفيه أيضا حديث (سووا صفوفكم فان تسوية الصفوف من إقامة الصلاة) استدل به الجمهور على سنة التسوية وابن حزم على وجوبها لأن إقامة الصلاة واجبة وكل شيء من الواجب واجب وروى أبو يعلى والطبراني عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن من تمام الصلاة إقامة الصف) وروى أحمد بسند صحيح عن ابن مسعود قال رأيتنا وما تقام الصلاة حتى تتكامل الصفوف، وروى الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات عن ابن مسعود موقوفا سووا صفوفكم فإن الشيطان يتخللها، وروى أيضا بسند رجاله ثقات عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والفرج) يعنى في الصلاة، وأخرج أبو يعلى عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تراصوا الصفوف فإني رأيت الشياطين تتخللكم) وروى أحمد بسند حسن عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (سووا صفوفكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم) وروى الطبراني عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نظر إلى فرجة في صف فليسدها بنفسه فإن لم يفعل فمن مر فليتخط على رقبته فإنه لا حرمة له) والأحاديث في ترك الفرج وتقطيع الصفوف كثيرة جدا وفيما أوردناه كفاية، ومن الأحاديث التي في الترغيب ولا ترهيب فيها حديث (من سد فرجة في الصف غفر له) رواه البزار بإسناد حسن عن أبي جحيفة، وحديث (من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة) رواه الطبراني في الأوسط عن عائشة بسند لا بأس به، وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا، وحديث (إن الله وملائكته يصلون على الذين يصلون الصفوف) رواه الحاكم وغيره، وحديث (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم قالوا وكيف تصف الملائكة قال يتمون الصف المقدم ويتراصون في الصف)أخرجه النسائي، وأخرج عبد الرزاق في مصنفه وابن أبي شيبة عن ابن عمر قال لأن تقع ثنيتاي أحب إلى من أرى فرجة في الصف أمامي فلا أصلها، وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي أنه كان يكره أن يقوم الرجل في الصف الثاني حتى يتم الصف الأول ويكره أن يقوم في الصف الثالث حتى يتم الصف الثاني، وأخرج عن ابن جريج قال قلت لعطاء أيكره أن يقوم الرجل وحده وراء الصف قال نعم والرجلان والثلاثة إلا في الصف قلت لعطاء أرأيت إن وجدت الصف مزحوما لا أرى فيه فرجة قال لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وأحب إلي والله أن أدخل فيه، وأخرج عن النخعي قال: يقال إذا دحس الصف فلم يكن فيه مدخل فليستخرج رجلا من ذلك الصف فليقم معه فإن لم يفعل فصلاته تلك صلاة واحدة ليست بصلاة جماعة، وأخرج عن ابن جريج قال قلت لعطاء أيكره أن يمشي الرجل يخرق الصفوف قال إن خرق الصفوف إلى فرجة فقد أحسن وحق على الناس أن يدحسوا الصفوف حتى لا يكون بينهم فرج ثم قال( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) فالصلاة أحق أن يكون فيها ذلك وأخرج عن يحيى بن جعدة قال أحق الصفوف بالإتمام أولها، وأخرج سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة والحاكم عن العرباض بن سارية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصف المقدم ثلاثا وعلى الذي يليه واحدة، وأخرج سعيد بن منصور عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول) قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول) قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال (إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول) قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال (سووا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في أيدي إخوانكم وسدوا الخلل فإن الشيطان يدخل فيما بينكم بمنزلة الحذف) واخرج عن إبراهيم النخعي قال كان يقال سووا الصفوف وتراصوا لا تتخللكم الشياطين كأنها بنات الحذف) وأخرج عن ابن عمر قال ما خطا رجل خطوة أعظم أجرا من خطوة إلى ثلمة صف ليسدها، وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن سابط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما تغيرت الإقدام في مشى أحب إلى الله من رقع صف) يعنى في الصلاة، وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وسدوا الفرج فإني أراكم من وراء ظهري، ومما يناسب ذلك أيضا قال البخاري في الصحيح باب الصلاة بين السواري في غير جماعة ثم أورد فيه حديث ابن عمر عن بلال في الصلاة في الكعبة، قال الحافظ ابن حجر إنما قيدها بغير الجماعة لأن ذلك يقطع الصفوف وتسوية الصفوف في الجماعة مطلوب وقال الرافعي في شرح المسند: احتج البخاري بهذا الحديث على أنه لا بأس بالصلاة بين الساريتين إذا لم يكن في جماعة، وقال المحب الطبري كره قوم الصف بين السواري للنهي عن ذلك ومحل الكراهة عند عدم الضيق والحكمة فيه انقطاع الصف. فهذا الذي أوردناه من الأحاديث وكلام شارحيها من أهل المذهب وغيرهم صريح في كراهة هذا الفعل وفي بعضها ما يصرح بسقوط الفضيلة، ولنذكر الآن ما وقع في كتب المذهب من المكروهات التي لا فضيلة معها فأول ما صرحوا بذلك في مسألة المقارنة قال الرافعي في الشرح قال صاحب التهذيب وغيره ذكروا أنه يكره الإتيان بالأفعال مع الإمام وتفوت به فضيلة الجماعة، وكذا قال النووي في الروضة وشرح المهذب وابن الرفعة في الكفاية، قال الزركشي في الخادم الكلام في هذه المسألة في شيئين أحدهما في كون المقارنة مكروهة، الثاني تفويتها فضيلة الجماعة فأما الأول فقد صرح بالكراهة البغوي وتابعه الروياني وكلام الإمام وغيره يقتضي أنه خلاف الأولى، وأما الثاني فعبارة التهذيب إذا أتى بالأفعال مع الإمام يكره وتفوت به فضيلة الجماعة ولكن تصح صلاته وقال ابن الأستاذ في هذا نظر فإنه حينئذ ينبغي أن يجري الخلاف في صحة صلاته إلا أن يقال تفوته فضيلة الأولوية مع أن حكم الجماعة عليه وقال التاج الفزاري في كلام البغوي نظر فإنه حكم بفوات فضيلة الجماعة وحكم بصحة الصلاة وذلك تناقض وتبعه أيضا السبكي وصاحب المهمات والبارزي في توضيحه الكبير قال الزركشي وهذا كله مردود فإن الصحة لا تستلزم الثواب بدليل الصلاة في الثوب الحرير والدار المغصوبة وإفراد يوم الجمعة بالصوم والحكم بانتفاء فضيلة الجماعة لا يناقض حصولها بدليل ما لو صلى بالجماعة في أرض مغصوبة فالاقتداء صحيح وهو في جماعة لا ثواب فيها قال ومما يشهد لانفكاك ثواب الجماعة المسبوق يدرك الإمام بعد الركوع من الركعة الأخيرة فإنه في جماعة قطعا لأن إقتداءه صحيح بلا خلاف وإلا بطلت صلاته ومع ذلك اختلفوا في حصول الفضيلة له قال وكذلك كل صلاة لا تستحب فيها الجماعة كصلاة العراة جماعة فإنه يصح الاقتداء ومع ذلك لا ثواب فيها لأنها غير مطلوبة قال والحاصل أن النووي نفى فضيلة الجماعة اي ثوابها ولم يقل بطلت الجماعة فدل على أن الجماعة باقية وأنه في حكم المقتدى لأنه يتحمل عنه السهو وغيره قال والعجب من هؤلاء المشايخ كيف غفلوا عن هذا وتتابعوا على هذا الفساد وأن فوات الفضيلة يستلزم الخروج عن المتابعة وهذا عجب من القول مع وضوح أنه لا تلازم بينهما لما قلناه من بقاء الجماعة وصحة الاقتداء مع انتفاء الثواب في ما لا يحصى، قال وأما جزم البارزي بأنه يحصل له فضيلة الجماعة فأعجب لأن المقارنة مكروهة والمكروه لا ثواب فيه وكيف يتخيل مع ذلك حصول الثواب وقد ذكر الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في تذكرة الخلاف فيمن أخرج نفسه من الجماعة إنا وإن حكمنا بالصحة فقد فاتته الفضيلة، قال الزركشي وإذا ثبت هذا في المقارنة جرى مثله في سبق الإمام من باب أولى بل يجري أيضا في المساواة معه في الموقف فإنها مكروهة، والضابط أنه حيث فعل مكروها في الجماعة من مخالفة المأموم فاتته فضيلتها إذ المكروه لا ثواب فيه وكذا لو اقتدى بإمام محدث وهو جاهل بحدثه فإن صلاته تصح وإن فاتته فضيلة الجماعة انتهى كلام الخادم بحروفه وقد تحصل من هذا صور منقولة تسقط فيها الفضيلة مع الصحة بعضها للكراهة وبعضها للتحريم وبعضها لعدم الطلب فمن الأول المسابقة والمقارنة والمفارقة والمساواة في الموقف، ومن الثاني صلاة الجماعة في أرض مغصوبة، ومن الثالث صلاة العراة، وممن صرح بمسألة المساواة أيضا الحافظ ابن حجر فقال في شرح البخاري الأصل في الإمام أن يكون مقدما على المأمومين إلا إن ضاق المقام أو كانوا عراة وما عدا ذلك تجزئ ولكن تفوت الفضيلة، وصرح بذلك أيضا ابن العماد في القول التمام وعلله بارتكاب المكروه، وكذا قال الشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج معبرا بقوله ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة، ثم قال الزركشي عند الكلام على مسألة المفارقة حيث جوزنا له المفارقة فهل يبقى للمأموم فضيلة الجماعة التي أدركها الذي صرح به الصيرفي البقاء وكلام المهذب يقتضي المنع ويؤيده ما سبق عن البغوي من تفويت الفضيلة بالمقارنة فإنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة فلأن تفوت مع الاختلاف في البطلان أولى ثم قال والمتجه التفصيل بين المعذور وغيره انتهى، وذكر مثل ذلك ابن العماد في القول التمام ويؤخذ من قوله أنها إذا فاتت مع الاتفاق على الصحة ففي الاختلاف في البطلان أولى فواتها أيضا في المنفرد وخلف الصف فإن مذهب أحمد بطلانها وهو وجه عندنا حكاه الدارمي عن ابن خزيمة وحكاه القاضي أبو الطيب عن ابن المنذر والحميدي من أصحابنا قال السبكي وغيره ودليلهم قوى وقد علق الشافعي القول به على صحة الحديث فقالوا لو ثبت حديث وابصة لقلت به وقد صححه ابن حبان والحاكم وحسنة الترمذي ثم أطال الكلام في تقريره الجواب عن حديث أبي بكرة وقد ورد أثر في سقوط الفضيلة في هذه الصورة بعينها أورده البيهقي مستدلا به- وهو من كبار الشافعية- فروى من طريق المغيرة عن إبراهيم فيمن صلى خلف الصف وحده فقال صلاته تامة وليس له تضعيف ومعنى ذلك أنه لا تحصل له المضاعفة إلى بضع وعشرين الذي هو فضل الجماعة، وقال في الروضة في مسألة الأداء خلف القضاء وعكسه الأولى الانفراد للخروج من خلاف العلماء قال في الخادم وإذا كان الأولى الانفراد لم يحصل له فضيلة الجماعة فهذه صورة أخرى، وقال الحافظ ابن حجر والشيخ جلال الدين المحلي في شرح المنهاج في مسالة الاقتداء في خلال الصلاة صرح في شرح المهذب بأنه مكروه ويؤخذ من الكراهة سقوط الفضيلة على قياس ما ذكر في المقارنة فهذه صورة ثامنة، ورأيت الشيخ جلال الدين يشير إلى أنه حيث وجدت الكراهة سقطت الفضيلة كما لا يخفي ذلك من عبارته، ومما يدل للكراهة في الصورة التي نحن بصددها قولهم بجواز التخطي في مثلها مع أن أصل التخطي مكروه كراهة شديدة عند الجمهور وحرام عند قوم واختاره النووي للأحاديث فلولا أنه أمر مهم جدا ما أبيح له ما هو في الأصل محرم أو مكروه كراهة شديدة مع قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث (فإنه لا حرمة له) ومما يؤنسك بهذا أن من قواعد الفقه وأصوله أن ما كان ممنوعا إذا جاز وجب، وهذه قاعدة نفيسة استدلوا بها على إيجاب الختان فإن قطع جزء من بدن الإنسان ممنوع منه فلما جاز كان واجبا وتقريره هنا أن التخطي ممنوع منه إما تحريما أو كراهة فلما جاز بل طلب دل على أنه واجب في حصول الفضيلة والتضعيف وإن لم يكن واجبا في ذاته إذ لا يأثم تاركه ولا يقدح في صحة الصلاة. وأما تحرير الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها ففي الخادم في مسألة من أدرك الإمام بعد ركوع الأخيرة ذكروا أن كلام الرافعي في آخر هذه المسألة يقتضي أن بركة الجماعة أمر غير فضيلة الجماعة وأن البركة هي التي تحصل لهذا دون الفضيلة قال وبهذا يندفع ما قيل في المسألة من تناقض أو أشكال وقد وقع في ذكر حكمة هذا العدد المخصوص في الحديث ما يؤيد الفرق بين بركة الجماعة وفضيلتها، قال الحافظ ابن حجر ذكر المحب الطبري أن بعضهم قال أن في حديث أبي هريرة ما يشير إلى ذلك حيث قال وذلك أنه إذا توضأ إلى آخره، وهذا ظاهر في أن الأمور المذكورة عليه للتضعيف المذكور وإذا كان كذلك فما رتب على موضوعات متعددة لا يوجد بوجود بعضها إلا إذا دل الدليل على إلغاء ما ليس معتبرا، وهذه الزيادة التي في حديث أبي هريرة معقولة المعنى فالأخذ بها متوجه والروايات المطلقة لا تنافيها بل تحمل عليها، قال وقد نقحت الأسباب المقتضية للدرجات المذكورة فإذا هي خمس وعشرون في السرية وسبع عشرون في الجهرية وبذلك يجمع بين الحديثين، أولها إلى الخامس إجابة المؤذن بنية الصلاة في الجماعة والتبكير إليها في أول الوقت والمشي إلى المسجد بالسكينة ودخول المسجد داعيا وصلاة التحية عند دخوله كل ذلك بنية الصلاة في الجماعة، سادسها انتظار صلاة الجماعة والتعاون على الطاعة، سابعها صلاة الملائكة عليه واستغفارهم له، ثامنها شهادتهم له، تاسعها إجابة الإقامة، عاشرها السلامة من الشيطان حين يفر عند الإقامة، حادي عشرها الوقوف منتظرا إحرام الإمام والدخول معه في أي هيئة وجده عليها، ثاني عشرها إدراك تكبيرة الإحرام، ثالث عشرها تسوية الصفوف وسد فرجها، رابع عشرها جواب الإمام عند قوله سمع الله لمن حمده، خامس عشرها الأمن من السهو غالبا وتنبيه الإمام إذا سها بالتسبيح والفتح عليه، سادس عشرها حصول الخشوع والسلامة مما يلهى غالبا، سابع عشرها تحسين الهيئة غالبا، ثامن عشرها احتفاف الملائكة، تاسع عشرها التدريب على تجويد القراءة وتعلم الأركان والابعاض، العشرون إظهار شعائر الإسلام، الحادي والعشرون إرغام الشيطان بالاجتماع على العبادة والتعاون على الطاعة ونشاط لمتكاسل، الثاني والعشرون السلامة من صفة النفاق ومن إساءة غيره به الظن بأنه ترك الصلاة رأسا، الثالث والعشرون رد السلام على الإمام، الرابع والعشرون الانتفاع باجتماعهم على الدعاء والذكر عود بركة الكامل منهم على الناقص الخامس والعشرون قيام نظام الألفة بين الجيران وحصول تعاهدهم في أوقات الصلوات. وتزيد الجهرية بالإنصات عند قراءة الإمام والاستماع لها والتيامن عند تأمينه، قال الحافظ ابن حجر ومقتضى ذلك اختصاص التضعيف بالتجميع في المسجد وإلا تسقط ثلاثة أشياء وهي المشي والدخول والتحية فيمكن أن يعوض من ذلك ما يشتمل على خصلتين متقاربتين أقيمتا مقام خصلة واحدة لأن منفعة الاجتماع على الدعاء والذكر غير منفعة عود بركة الكامل على الناقص وكذا فائدة قيام الألفة غير فائدة حصول التعاهد وكذا فائدة أمن المأمومين من السهو غالبا غير تنبيه الإمام إذا سها فيمكن أن يعوض من تلك الثلاثة هذه فيحصل المطلوب، قال: ولا يرد على ذلك كون بعض الخصال تختص ببعض من صلى جماعة دون بعض كالتكبير وانتظار الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد الجماعة وانتظار إحرام الإمام ونحو ذلك لأن أجر ذلك يحصل لقاصده بمجرد النية ولو لم يقع إذا علمت ذلك فالإخلال بسد الفرجة لا يحصل معه التضعيف المذكور قطعا لأنه خصلة من الخصال المقابلة بدرجة، ثم أنه يسقط بسببه خصال أخر كالسلامة من الشيطان لتصريح الحديث يتخلل الشيطان بينهم واحتفاف الملائكة لعدم مجامعتهم للشياطين وصلاة الملائكة وشهادتهم له لأن ذلك ينافي ورود الوعيد عليه وقيام نظام الألفة لإخبار الحديث بأنه يورث مخالفة القلوب وعود بركة الكامل على الناقص لذلك أيضا وعدم الأمن من السهو غالبا وعدم إرغام الشيطان وعدم الخشوع لوسوسة الشياطين المتخللة فهذه عشر خصال تفوت بعدم سد الفرجة فيفوت بسببها عشر درجات فان الضم إلى ذلك عدم التكبير والانتظار والوقوف منتظرا إحرام الإمام وإدراك تكبيرة الإحرام إذ المقصر في سد الفرجة مع سهولتها أقرب إلى التقصير في المذكورات وأبعد من المبادرة إليها ومن أن تكون له عادة بالمحافظة عليها سقط خمسة أخرى وإن انضم إلى ذلك بعده عن الإمام وتراخى الصف الذي وقف فيه عن سد الفرجة سقط خصلتان وهي تنبيه الإمام إذا سها والاستماع لقراءة الإمام فيصير الحاصل له في الجهرية عشر درجات وفي السرية تسع والله أعلم، ومما يدل على ذلك ما رواه سعيد بن منصور في سننه بإسناد حسن عن أوس المعافري، أنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص أرأيت من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى في بيته قال حسن جميل قال فإن صلى في مسجد عشيرته قال خمس عشرة صلاة قال فإن مشى إلى مسجد جماعة فصلى فيه قال خمس وعشرون، وبذلك يندفع قول من قال إن الجماعة الكاملة يحصل فيها خمس وعشرون درجة والجماعة التي فيها خلل يحصل فيها هذا العدد لكن درجات الأول أعظم وأكمل كما قيل في بدنة المبكر إلى الجمعة حيث يشترك فيها الآتي أول الساعة وآخرها والصحابة أعلم بمراد النبي صلى الله عليه وسلم وبتفسير معاني كلامه من غيرهم، وأيضا فالأصح في تفسير الدرجة أو الجزء حصول مقدار صلاة المنفرد بالعدد المذكور للمجمع كما رجحه جماعة منهم ابن دقيق العيد لأنه ورد مبينا في بعض الروايات كحديث مسلم (صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين من صلاة الفذ) قال الحافظ ابن حجر وهو مقتضى قوله تضعف لأن الضعف كما قال الأزهري المثل إلى ما زاد فالتفاوت في ذلك إنما يقع بزيادة عدد المثل ونقصانه لا بارتفاعه وانحطاطه بخلاف البدنة ونحوها فإنها مما تقبل العظم والخسة كما لا يخفى، وقد أورد أن الصلاة أيضا تتفاوت بالكمال والنقصان فقلت المراد أن تلك الصلاة التي صلاها بعينها في الجماعة تحصل له مثل ما لو صلاها منفردا بضعا وعشرين مرة سواء كانت في نهاية الكمال أم لا فنقصان سد الفرج ونحو أمر زائد على نقصان أصل الصلاة قطعا، وأورد أن كلام ابن عمرو محمول على أنه قاله اجتهادا فلا يقلد فيه ولو قاله مرفوعا لئم الاحتجاج به على ذلك فقلت هذا من قبيل المرفوع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي إذ هو من أمور الآخرة التي لا تقال إلا عن توقيف، وأورد أن الآتي ولا فرجة في الصف يؤمر بجذب رجل ويؤمر ذاك بمساعدته فيصير في الصف فرجة فقلت هذا للضرورة ولدفع ما هو أشد كراهة وإحرازا لصحة الصلاة على قول من يرى بطلانها والله أعلم.
مسألة: قال في الروضة في آخر صلاة المسافر لو سافر رجلان شافعي وحنفي في مدة قصر ثم نوى الحنفي الإقامة يعني إقامة أربعة أيام في موضع في 0طريقه فإنه لا سفره في مذهبه وينقطع مذهب الشافعي وشرع في صلاة مقصورة جاز للشافعي أن يقتدى به وهو مشكل على قولهم أن العبرة بنية المقتدى. الجواب: قال العلامة ابن قاسم في حاشية التحفة بعد أن أورد عبارة المصنف هذه ما نصه وقد يقال فيه نظر لأن الشافعي يعتقد عدم انعقاد صلاته لأنه صار مقيما بنية الإقامة، والمقيم إذا نوى القصر لا تنعقد صلاته فلم ينتف الأشكال فليتأمل وقد يجاب بأن الحنفي بمنزلة الجاهل بالحكم لاعتقاده الجواز ونية القصر جهلا لا تضر وهذا الجواب يتوقف على أن الشافعي المقيم لا يضره نية القصر مع الجهل فليراجع انتهى ما أورده ابن قاسم. وأقول قد أجاب الشيخ ابن حجر في التحفة بأنه لما كان جنس القصر جائزا اغتفر نية الإمام له وأن كان غير جائز في هذه الصلاة وكذلك في شرح العباب على ذلك أن الاقتداء به لمروره في إذا علم أنه نوى القصر فإحرامه بالصلاة صحيح فصح الاقتداء به ما دامت الصلاة صحيحة.
مسألة: في رجل صلى الجمعة إماما فقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة ومن قوله تعالى في سورة يوسف (لقد كان في يوسف وأخوته) إلى قوله (والله المستعان على ما تصفون) اثنتي عشرة آية وفي الثانية إلى قوله (وكذلك نجزى المحسنين) أربع آيات فهل يكون هذا تطويلا تكره به الصلاة وهل يكون مخالفا للسنة لأجل قراءته بغير سورتي الجمعة والمنافقين وهل تكون هذه الصلاة مكروهة. الجواب: ليس هذا هو التطويل المكروه لأن ذلك هو منتهى الكمال للمنفرد فما فوقه كستين آية فصاعدا. وقد ورد لا يقرأ في الصبح بدون عشرين آية ولا في العشاء بأقل من عشر آيات والجمعة والظهر كذلك بل أولى من العشاء ولا يلزم من قراءة غير الجمعة والمنافقين الكراهة بل غايته أنه خلاف الأولى. مسألة: في رجل تذكر فائته والخطيب يخطب فصلاها هل تصح. الجواب: نعم تصح لأن لها سببا قياسا على صحتها في الأوقات المكروهة وعلى صحة التحية للداخل حالة الخطبة، وقد أفتى بذلك شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني أخذا من قول والده في التدريب: ومن الصلاة المحرمة الزيادة على الركعتين للداخل حال خطبة الجمعة والتنفل لغير الداخل فأخذ من قوله والتنفل بطريق المفهوم أن قضاء الفائتة المفروضة لا يحرم، ووافقه على ذلك شيخنا الشيخ سراج الدين العبادي وخالفهما شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي فأفتى بالمنع والبطلان وتعرض للمسألة في حاشيته على شرح البهجة، ثم رأيت الأذرعي ذكر مثل ما أفتى به شيخنا البلقيني من الجواز والصحة ونقله عن الماوردي في الحاوي والجرجاني في الشافي. مسألة – يا من لأهواء الجهالة مذهب *** ولحلة الفقها طراز مذهب يا من له فهم تفرد في الورى *** يا من إليه جاء يسعى المذهب يا من بتحرير المقالة قد حوى *** فضلا ببهجته نلذ ونطرب يا عمدة في مذهب الحبر الرضى *** الشافعي هو الإمام المطنب ما قولكم في أربعين لجمعة *** حضروا كذاك بخطبة إذ تخطب والبعض منهم يجهلون كليهما *** والبعض منهم عالم ومهذب ماذا يكون الحكم في كلتيهما *** أنت المراد لها وأنت المطلب وصلاة عيد إن قضاها من وفى *** تكبيره لقضائها هل يندب ثم الطواف وجوب نيته على *** من رامها حقا فهل تترتب نرجو الجواب عن الثلاث معللا *** ويكون ذلك واضحا يستعذب أبقاك ربك ذاهنا يا من لنا *** وبل الندى منه روى إذ نجدب وجنى الحنان إليك يدينه وعن *** رؤياه في دار البقا لا نحجب الجواب – الحمد لله الذي من يقرب *** لجنابه يحظى به ويقرب ثم الصلاة على الذي كل الورى *** والرسل في حشر إليه ترغب إن أربعون نووا إقامة جمعة *** كل إلى جهل القراءة ينسب صحت ولو في بعضهم أمية *** ما لم يؤمهم الجهول المتعب أو كلهم جهلوا الخطابة ألغها *** ما لم يكن فيهم فريد يخطب والفرق إن إمامة الأمي بمن *** ساوى تصح وفوقه لا تحسب وصلاتها دون الخطابة لا تصح *** وبعدها صحت ولو لم يعربوا وصلاة عيد قد قضى لما مضت *** أيامها تكبيرها لا يندب وطواف فرض لا احتياج لنية *** أما التطوع والوداع فأوجبوا إذ نية الإحرام شاملة له *** فله غنى عنها كما قد رتبوا والنذر حكم النفل قطعا واغتنى *** عنها القدوم فليس فيه تطلب
هذا جواب ابن السيوطي سائلا *** من ربه الغفران عما يذنب مسألة: في الروضة المقابلة لمصر العتيقة هل هي بلد مستقل فلا تنعقد الجمعة بها إلا بأربعين من أهلها القاطنين بها أم هي في حكم مصر. الجواب: هي بلد مستقل فلا تنعقد بها الجمعة إلا بأربعين قاطنين بها وقد كانت في الزمن القديم مشهورة بذلك ولها وال وقاض مختص بها. مسألة: إذا كان الخطيب حنفيا لا يرى صحة الجمعة إلا في السور فهل له أن يخطب ويؤم في القرية وهل تصح الصلاة خلفه. الجواب: العبرة في الاقتداء بنية المقتدى فتصح صلاته في الجمعة خلف حنفي وإن كان في قرية لا سور لها إذا حضر أربعون من أهل الجمعة.
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة: في قول المنهاج في صلاة الجمعة من أدرك ركوع الثانية أدرك الجمعة فيصلي بعد سلام الإمام ومشى عليه الشارح المحقق وكذلك الشيخ تقي الدين السبكي بقوله أن شرط إدراك الجمعة بركوع الثانية أن يستمر الإمام إلى السلام ووقع لبعضهم أنه قال يجوز مفارقة الإمام إذا أدرك ركوع الثانية قبل أن يسلم الإمام اثر السجود الثاني وأفتى بذلك جماعة من الشافعية فعلام يعتمد المقلد للإمام الشافعي رضي الله عنه وعنا. الجواب: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، هذه المسألة من معضلات المسائل التي يجب التوقف فيها فان المفهوم من كلام كثيرين اشتراط الاستمرار إلى السلام، ومن كلام آخرين خلافه و ها أنا أبين ذلك واضحا مفصلا فأقول المفهوم من كلام المشايخ الثلاثة الرافعي والنووي وابن الرفعة اشتراط الاستمرار إلى السلام حيث عبروا في عدة مواضع الرافعي في شرحيه والنووي في شرح المهذب والمنهاج وابن الرفعة في الكفاية بقولهم صلى بعد سلام الإمام ركعة أضاف بعد سلام الإمام فإذا سلم الإمام قام وأتى بركعة، وتكرر ذلك منهم في مواضع عديدة وهذا وإن كان محتملا لذكر بعد صور المسألة لا للتقييد لكن يدفعه عدم ذكر الشق الآخر وهو ما لو فارق قبل السلام ما حكمه فانه لو كان حكمه الإدراك لنبهوا عليه ليعرفوا أن قولهم بعد سلام الإمام ونحوه ليس للتقييد، وكذا قال ابن الرفعة في مسألة المزحوم إذا راعى ترتيب نفسه عالما بطلت صلاته ثم إن أدرك الإمام في ركوع الثانية وجب عليه أن يحرم معه وتدرك الجمعة بهذه الركعة فإذا سلم الإمام أضاف إليها أخرى، وقال في مسألة المسبوق المراد بادراك الركعة أن يحرم المأموم ويركع مع الإمام والإمام راكع فيجتمعان في جزء منه ويتابع الإمام إلى أن يتم، وقال الرافعي المراد بإدراك الركوع أن يدركه فيه ويتابعه فيما بعده من الأركان. فهذه العبارات كلها ظاهرة في اعتبار الاستمرار إلى السلام، وأما مسألة المفارقة. التي ذكرها الاسنوي وجوزها قبل السلام فلم يصرح بها أحد من المشايخ الثلاثة وإنما ذكروا مسألة المفارقة مريدين بها بعد الركعة الأولى بقرينة انهما لم يذاكرها في مسألة المسبوق وإنما ذكرها الرافعي والنووي في مسألة الاستخلاف وابن الرفعة في مسألة الزحمة وكل من المسألتين خاص بادراك الركعة الأولى، هذا وقد صرح بالمسألة و اشتراط الاستمرار إلى السلام الشيخ تقي الدين السبكي والكمال الدميري في شرحيهما على المنهاج، وعبارة السبكي والدميري هذا إذا كملهما مع الإمام أما لو خرج منها قبل السلام فلا ويرشد إليه قوله فيصلي بعد سلام الإمام ركعة- هذه عبارته. وقول الشيخ جلال الدين المحلى في شرحه واستمر معه إلى أن سلم يحتمل التقييد والتصوير لأجل صورة الكتاب والأول أوجه وإلا لبين حكم القسم الآخر وألحقه بالأول كما جرت به عادته وعادة الشراح قبله وإلا لكان زيادة إبهام واستمرارا على ما في المتن من الإيهام، وان نظرت إلى الاستدلال وجدته يؤيد الاشتراط. وذلك لأن الأصل في الجمعة أن لا يصلى شيء منها إلا مع الإمام خرج صورة من أدرك ركعة بالحديث فوجب الاقتصار عليه بشرط حصول مسمى الركعة والتشهد والسلام داخلان في مسمى الركعة وذلك من وجوه أحدها أن النصوص والإجماع على أن الجمعة والصبح والعيد ونحوها ركعتان والظهر والعصر والعشاء أربع ركعات والمغرب ثلاث والقول بأن آخر الركعات الفراغ من السجدة الثانية وأن التشهد والسلام قدر زائد عليها يلزم عليه أحد أمرين إما إخراج ذلك عن مسمى الصلاة وهو شيء لم يقله أحد في التشهد وإن قال به بعض العلماء في السلام، وإما دعوى أن الصلاة ركعتان وشيء أو أربع وشيء أو ثلاث وشيء وهو أمر ينبو عنه السمع ويأباه حملة الشرع، الثاني أن الحديث واتفاق المذهب مصرح بأن الوتر ركعة وهي مشتملة على تشهد وسلام فدعوى أنهما خارجان عن مسمى الركعة خلاف الأصل والظاهر إذ الأصل والظاهر أن الاسم إذا أطلق على شيء يكون منصبا على جميع أجزائه ولا يخرج بعضها عن إطلاق الاسم عليه إلا بدليل ينص عليه، الثالث أن أكثر ما يقال في إخراجهما عن مسمى الركعة القياس على الركعة الأولى وهو بعيد لأن السجدة الثانية في الركعة الأولى يعقبها الشروع في ركعة أخرى فوجب كونها آخر الركعة والتشهد الأول يعقبه ركعة أو ركعتان فصح جعله فاصلا بين ما سبق وما سيأتي وأما الركعة الأخيرة فلا يعقبها شروع في ركعة أخرى فوجب أن يكون تشهدها جزءا منها داخلا في مسماه ولم يصلح أن يكون فاصلا إذ لاشيء يفصله منها، الرابع ومما يؤيد ذلك أنه لا بدع أن يزيد بعض الركعات على بعض بأركان وسنن فكما أن الأولي زادت من الأركان بالنية والتكبيرة ومن السنن بدعاء الاستفتاح وبالتعوذ على رأى مشى عليه صاحب التنبيه فكذلك زادت الثانية بالتشهد والسلام وبالقنوت في بعض الصلوات، الخامس ومما يؤيد ذلك اختلاف الأصحاب في جلسة الاستراحة هل هي من الركعة الأولى أو من الثانية أو فاصلة بين الركعتين على أوجه حكاها ابن الرفعة في الكفاية وبنوا على ذلك ما لو خرج الوقت، فيها فان قلنا أنها من الأولى فالصلاة قضاء لأنه لم يدرك ركعة من الوقت، أو من الثانية أو فاصلة فأداء فانظر كيف لم يجزموا بأن آخر الأولى السجدة الثانية والتشهد الأخير نظير جلسة الاستراحة بل يجب القطع بأنه من الركعة التي قبله ولا يحسن فيه خلاف جلسة الاستراحة لان جلسة الاستراحة تعقبها ركعة فيصح أن يجعل جزءا منها أو فاصلا بينها وبين ما قبلها ولا ركعة بعد التشهد الأخير فلا يصح جعله من غير الركعة التي هو فيها إذ لا شيء بعده تجعل منه أو فاصلا بينه وبين ما قبله وبهذا يحصل الفرق بينه وبين التشهد الأول، السادس علم مما قررناه أن قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح) أي أداءا لا يكتفى فيه بالفراغ من السجدة الثانية بل لا بد من الفراغ من الجلسة بعدها إن جلسها على الأول وهو مرجوح فكذا حديث من أدرك ركعة من الجمعة لا يكتفى فيه بالفراغ من السجدة الثانية بل لا بد من الفراغ من الجلوس بعدها لما قطعنا به من كونه من جملة الركعة، السابع قوله صلى الله عليه وسلم (من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى) ظاهر في أن التشهد والسلام داخل في مسمى الركعة وذلك لأن قوله أخرى صفة الموصوف مقدرا أي ركعة أخرى والركعة التي تصلى مشتملة على تشهد وسلام وقد سماها ركعة فوجب دخولهما في مسمى الركعة فإن قيل يقدر في الحديث فليصل إليها ركعة ويضم إليها التشهد والسلام قلنا هذا تقرير ما لا دليل عليه ولا حاجه إليه والتقدير لا يصار إليه إلا عند الحاجة ولا حاجة، الثامن لفظ الحديث والأصحاب في صلاة الخوف أن الفرقة الثانية يصلون مع الإمام ركعة دليل أن التشهد والسلام داخلان في مسمى الركعة فإنها تتشهد معه وتسلم وكذا قولهم فإن صلى مغربا فبفرقة ركعتين وبالثانية ركعة فإن الأولى تتشهد معه والثانية كذلك وتسلم معه، والتاسع قول الفقهاء في صلاة النفل فإن أحرم بأكثر من ركعة فله التشهد في ركعتين وفي كل ركعة صريح في أن التشهد داخل في مسمى الركعة حيث جعلوا الركعة ظرفا للتشهد فيكون منها ولو كان زائدا عليها لم يصح الظرف لأنه يكون بعدها لا فيها فقولهم تشهد في كل ركعة كقولهم تجب الفاتحة في كل ركعة وكقولهم في صلاة الكسوف في كل ركعة ركوعان فإن ذلك داخل في مسمى الركعة قطعا، العاشر قوله صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح إنها أربع ركعات في كل ركعة خمس وسبعون تسبيحة ثم فصلها خمس عشرة في القيام وعشر في الركوع إلى أن قال وعشر في جلسة الاستراحة إلى أن قال وعشر في التشهد صريح في أن جلسة الاستراحة والتشهد بعض من الركعة وداخلان في مسمى الركعة وإلا لم يصح إن في كل ركعة خمسة وسبعين لأنه لو كانا خارجين عن مسمى الركعة كان في كل ركعة خمس وستون والباقي مزيد على الركعة ولفظ الحديث يصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة فإذا انقضت القراءة فقل الله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله خمس عشرة مرة قبل إن تركع ثم اركع فقلها عشرا ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ثم اسجد فقلها عشرا ثم ارفع رأسك فقلها عشرا ثم اسجد فقلها عشرا ثم اجلس للاستراحة فقلها عشرا قبل أن تقوم فذلك خمس وسبعون في كل ركعة وهي ثلاثمائة في أربعة ركعات - أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم وابن خزيمة في صحيحهما فإن قيل الأرجح أن جلسة الاستراحة فاصلة لا من الأولى ولا من الثانية قلت: الجواب عن ذلك إن هذه الجلسة في صلاة التسبيح ليست كجلسة الاستراحة بل جلسة مزيدة في هذه الصلاة كالركوع في صلاة الكسوف - ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن حجر في أماليه ولهذا طولت فدل على أنها هنا من الركعة الأولى فكذلك التشهد الآخر من الركعة الرابعة ولا يتم خمسة وسبعون إلا بما يقال فيه فإن قيل فما الذي أوجب ذلك التوقف مع ما ذكرت من وجوه الاستدلال قلت مسألة رأيتها في تهذيب البغوي فإنه بعد أن قرر في مسائل الاستخلاف أن الخليفة المقتدي في الثانية يتم ظهرا لا جمعة لأنه لم يدرك مع الإمام ركعة قال ما نصه ولو أدرك المسبوق في الركوع من الركعة الثانية فركع وسجد مع الإمام فلما قعد للتشهد أحدث الإمام وتقدم المسبوق له أن يتم الجمعة لأنه صلى مع الإمام ركعة- هذا نصه بحروفه فان صحت هذا المسألة اتجه ما قيل في المفارقة إلا أني لم أر من ذكر هذه المسألة التي ذكرها البغوي ولم أر أحدا صرح بموافقته فيها ولا بمخالفته وقد ذكر هو ما يشعر بأنه قالها تخريجا من عنده، ولم ينقلها نقل المذهب ولم يتعرض لها أحد من المتأخرين لا الرافعي في شرحيه ولا النووي في شرح المهذب على تتبعه ولا ابن الرفعة في الكفاية مع حرصه على تتبع ما زاد على الشيخين ولا السبكي ولا أحد ممن تكلم على الروضة كصاحب المهمات والخادم، وهي محل نظر وهي التي أوجبت لي التوقف في مسألة المفارقة والتحقيق أن الركعة اسم لجميع أركان الواحدة من أعداد الصلاة من القيام إلى مثله أو إلى التحلل، وإخراج التشهد والسلام عن مسمى الركعة بعيد جدا والأحوط عدم تجويز المفارقة قبل السلام ليتحقق مسمى الركعة المعتبرة في إدراك الجمعة والله أعلم.
بسم الله الرحمن الرحيم مسألة: اختلف علماء الإسلام في العدد الذي تنعقد به الجمعة على أربعة عشر قولا بعد إجماعهم على أنه لابد من عدد، وان نقل ابن حزم عن بعض العلماء أنها تصح بواحد وحكاه الدارمي عن القاشاني فقد قال في شرح المهذب أن القاشاني لا يعتد به في الإجماع: أحدها أنها تنعقد باثنين أحدهما الإمام كالجماعة وهو قول النخعي والحسن بن صالح وداود، الثاني ثلاثة أحدهم الإمام قال في شرح المهذب حكى عن الأوزاعي وأبي ثور وقال غيره هو مذهب أبي يوسف ومحمد حكاه الرافعي وغيره عن القديم، الثالث أربعة أحدهم الإمام وبه قال أبو حنيفة والثوري والليث وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي ثور واختاره وحكاه في شرح المهذب عن محمد وحكاه صاحب التلخيص قولا للشافعي في القديم وكذا حكاه في شرح المهذب واختاره المزني كما حكاه عنه الأذرعي في القوت وهو اختياري، الرابع سبعة حكى عن عكرمة، الخامس تسعة حكى عن ربيعة، السادس اثنا عشر في رواية عن ربيعة حكاه عنه المتولي في التتمة والماوردي في الحاوي وحكاه الماوردي أيضا عن الزهري والأوزاعي ومحمد بن الحسن، السابع ثلاثة عشر أحدهم الإمام حكى عن إسحاق بن راهويه، الثامن عشرون رواية ابن حبيب عن مالك، التاسع ثلاثون في رواية عن مالك، العاشر أربعون أحدهم الإمام وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وعمر بن عبد العزيز والشافعي وأحمد وإسحاق - حكاه عنهم في شرح المهذب، الحادي عشر أربعون غير الإمام في أحد القولين للشافعي، الثاني عشر خمسون وبه قال عمر بن عبد العزيز وأحمد في إحدى الروايتين عنهما، الثالث عشر ثمانون حكاه المازري، الرابع عشر جمع كثير بغير قيد وهذا مذهب مالك فالمشهور من مذهبه أنه لا يشترط عدد معين بل تشترط جماعة تسكن بهم قرية ويقع بينهم البيع ولا تنعقد بالثلاثة والأربعة ونحوهم قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري ولعل هذا المذهب أرجح المذاهب من حيث الدليل، وأقول هو كذلك لأنه لم يثبت في شيء من الأحاديث تعيين عدد مخصوص وأنا أبين ذلك أما اشتراط ثمانين أو ثلاثين أو عشرين أو تسعة أو سبعة فلا مستند له البتة وأما الذي قال باثنين فإنه رأى العدد واجبا بالحديث والإجماع ورأى أنه لم يثبت دليل في اشتراط عدد مخصوص ورأى أن أقل العدد اثنان فقال به قياسا على الجماعة وهذا في الواقع دليل قوي لا ينقصه إلا نص صريح من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الجمعة لا تنعقد إلا بكذا أو بذكر عدد معين وهذا شيء لا سبيل إلى وجوده، وأما الذي قال بثلاثة فإنه رأى العدد واجبا في حضور الجمعة كالصلاة فشرط العدد في المأمومين المستمعين للخطبة فإنه لا يحسن عد الإمام منهم وهو الذي يخطب ويعظ، وأما الذي قال بأربعة فمستنده ما أخرجه الدارقطني في سننه قال حدثنا أبو بكر النيسابوري ثنا محمد بن يحيى ثنا محمد بن وهب بن عطية ثنا بقية بن الوليد ثنا معوية بن يحيى ثنا معوية بن سعيد التجيبي ثنا الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجمعة واجبة على كل قرية وإن لم يكن فيها إلا أربعة) قال الدارقطني لا يصح هذا عن الزهري وقد أخرجه البيهقي في سننه من هذا الطريق وله طريق ثان قال الدارقطني حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن إسماعيل الأبلى ثنا عبيد الله بن محمد بن خنيس الكلاعي ثنا موسى بن محمد بن عطاء ثنا الوليد بن محمد هو الموقري ثنا الزهري حدثتني أم عبد الله الدوسية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة) قال الدارقطني الموقري متروك ولا يصح هذا عن الزهري كل من رواه عنه متروك، طريق ثالث قال الدارقطني حدثنا أبو عبد الله الايلي ثنا يحيى بن عثمان ثنا عمرو بن الربيع بن طارق ثنا مسلمة بن علي عن محمد بن مطرف عن الحكم بن عبد الله بن سعد عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (الجمعة واجبة على أهل قرية وإن لم يكونوا إلا ثلاثة 0رابعهم إمامهم) قال الدارقطني الزهري لا يصح سماعه من الدوسية والحكم متروك، طريق آخر قال ابن عدي في الكامل أخبرنا ابن مسلم ثنا محمد بن مصفى ثنا بقية ثنا معوية بن يحيى ثنا معاوية بن سعيد التجيبي عن الحكم بن عبد الله عن الزهري عن أم عبد الله الدوسية قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام وإن لم يكونوا إلا أربعة) حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة - أخرجه البيهقي من هذا الطريق وقال: الحكم بن عبد الله متروك ومعوية بن يحيى ضعيف ولا يصح هذا عن الزهري، قلت قد حصل من اجتماع هذه الطرق نوع قوة للحديث فإن الطرق يشد بعضها بعضا خصوصا إذا لم يكن في السند متهم، ويزيدها قوة ما أخرجه الدارقطني قال حدثنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني ثنا إبراهيم بن إسحاق بن أبي العنبس ثنا إسحاق بن منصور ثنا هر ثم عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجمعة واجبة في جماعة إلا على أربعة عبد مملوك أو صبي أو مريض أو امرأة) وجه الدلالة منه أنه أطلق الجماعة فشمل كل ما يسمى جماعة وذلك صادق بثلاثة غير الإمام. وأما الذي قال باثنى عشر فمستنده ما أخرجه البخاري ومسلم عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما يوم الجمعة فجاءت عير من الشام فانفتل الناس إليها حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلا، وجه الدلالة منه أن العدد المعتبر في الابتداء يعتبر في الدوام فلما لم تبطل الجمعة بانفضاض الزائد على اثنى عشر دل على أن هذا العدد كاف، قلت هو دال على صحتها باثني عشر بلا شبهة وأما اشتراط اثنى عشر وأنها لا تصح بدون هذا العدد فليس فيه دلالة على ذلك فإن هذه واقعة عين أكثر ما فيها أنهم انفضوا وبقى اثنا عشر رجلا وتمت بهم الجمعة وليس فيها أنه لو بقى أقل من هذا العدد لم تتم بهم فإن قلت فكيف أخذت من الأحاديث السابقة اشتراط أربعة قلت لأن قوله وإن لم يكونوا إلا أربعة بيان لأقل عدد تجزئ به الجمعة أن ذلك شأن (أن) و(لو) الوصليتين كما تقرر في العربية أنهما يذكر بعدهما منتهى الأحوال وأندرها تقول أحسن إلى زيد وان أساء وأعط السائل ولو جاء على فرس فهاتان الحالتان منتهى غاية المحسن إليه والمعطى ومنه قوله تعالى (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) فليس بعد مرتبة النفس والوالدية والأقربية مرتبة تذكر وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم (وإن لم يكونوا إلا أربعة) بيان لمنتهى مراتب العدد المجزئ ولو كان أقل منه مجزئا لذكره ويرشد إلى ذلك التعبير بالغاية في قوله في الحديث الآخر حتى ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة فإن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم تنزل إلى مراتب الأعداد حتى انتهت غايته إلى ذكر الثلاثة فإن قلت فعلى هذا يشترط ثلاثة لا أربعة قلت المراد ثلاثة غير الإمام لقوله في الحديث الآخر (وإن لم يكونوا إلا ثلاثة رابعهم إمامهم) فإن قلت مسلم دلالة الحديث على ما ذكرت غير أنه لم يثبت ثبوت الأحاديث المحتج بها فإنه ضعيف من جميع طرقه وإنما يحتج بما بلغ مرتبة الصحة أو الحسن قلت كذلك قولهم بالأربعين حديثه ضعيف ليس له طريق صحيح ولا حسن قال النووي في شرح المهذب احتج أصحابنا لاشتراط الأربعين بما أخرجه الدارقطني والبيهقي عن جابر قال مضت السنة أن في كل ثلاثة إماما وفي كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وفطر وأضحى وذلك أنهم جماعة، قال لكنه حديث ضعيف ضعفه الحفاظ وقال البيهقي هو حديث لا يصح الاحتجاج به، قال النووي واحتج أيضا بأحاديث بمعناه لكنها ضعيفة قال وأقرب ما يحتج به ما أحتج به البيهقي والأصحاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه قال أول من جمع بنا في المدينة أسعد ابن زرارة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة في نقيع الخضمات قلت كم كنتم قال أربعين رجلا حديث حسن رواه أبو داود والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة قال البيهقي وغيره وهو حديث صحيح قال أصحابنا وجه الدلالة أن يقال أجمعت الأمة على اشتراط العدد والأصل الظهر فلا تصح الجمعة إلا بعدد ثبت فيه التوقيف وقد ثبت جوازها بأربعين فلا يجوز بأقل منه إلا بدليل صريح وثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (صلوا كما رأيتموني أصلي) ولم تثبت صلاته لها بأقل من أربعين انتهى، وأقول لا دلالة في حديث كعب على اشتراط الأربعين لأن هذه واقعة عين وذلك أن الجمعة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل الهجرة فلم يتمكن من إقامتها هناك من أجل الكفار فلما هاجر من هاجر من أصحابه إلى المدينة كتب إليهم يأمرهم أن يجمعوا فجمعوا واتفق أن عدتهم إذ ذاك كانت أربعين، وليس فيه ما يدل على أن من دون الأربعين لا تنعقد بهم الجمعة وقد تقرر في الأصول أن وقائع الأعيان لا يحتج بها على العموم، وقولهم لم يثبت أنه صلى الجمعة بأقل من أربعين يرده حديث الانفضاض السابق فإنه أتمها باثني عشر فدل ذلك على أن تعيين الأربعين لا يشترك، وما أخرجه الطبراني عن أبي مسعود الأنصاري قال أول من قدم من المهاجرين المدينة مصعب بن عمير وهو أول من جمع بها يوم الجمعة جمعهم قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم اثنا عشر رجلا قال الحافط ابن حجر ويجمع بينه وبين حديث كعب بأن أسعد كان أميرا وكان مصعب إماما، وأغرب من ذلك قول البيهقي باب ما يستدل به على أن عدد الربعين له تأثير فيما يقصد منه الجماعة ثم أورد فيه حديث ابن مسعود قال جمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت آخر من أتاه ونحن أربعون رجلا فقال (إنكم مصيبون ومنصورون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر وليصل الرحم) فاستدلاله بهذا في غاية العجب لأن هذه واقعة قصد فيها النبي صلى الله عليه وسلم أن يجمع أصحابه ليبشرهم فاتفق أن اجتمع له منهم هذا العدد فهل يظن أنه لو حضر أقل منهم لم يفعل ما دعاهم لأجله، وإيراد البيهقي لهذا الحديث أقوى دليل على أنه لم يجد من الأحاديث ما يدل للمسألة صريحا، وقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أنس مرفوعا إذا راح منا سبعون رجلا إلى الجمعة كانوا كسبعين موسى الذين وفدوا إلى ربهم أو أفضل ولم يستدل أحد بهذا الحديث على اشتراط سبعين في الجمعة مع أنه أوجه من كثير مما استدلوا به على غيره من العدد، وقال الغزالي في البسيط في الاستدلال على اعتبار الأربعين مستند الشافعي في هذا العدد أن الأصل في الظهر الإتمام إلا بشرائط والعدد بالإجماع شرط وللشرع اعتناء بكثرة الجمع ولذلك لا تنعقد جمعتان في بلدة ولا بد من مستند التقدير وأقل ما يحصل به الاقتداء غير كاف فيكفى أدنى مستند، وقد روي عن جابر بن عبد الله أنه قال مضت السنة أن في كل أربعين فما فوقها جمعة واستأنس الشافعي بمذهب عمر بن عبد العزيز وانضم إليه أنه لم يعتبر أحد زيادة على أربعين فكان هذا الاتقاء بالاحتياط - هذا كلام الغزالي، وفي النهاية لإمام الحرمين نحوه فانظر إلى هذا المستند المركب من ثلاثة أمور: الأول حديث ضعيف لا تقوم به الحجة مع أنه معارض بحديث آخر ومع كون هذا الحديث غير مصرح برفعه والحديث المعارض له مصرح برفعه، وإذا قايست بين الحديثين من جهة الإسناد كان إسناد الحديث المعارض أمثل من إسناد هذا الحديث، والأمر الثاني مذهب تابعي والشافعي رضي الله عنه لا يحتج بمذهب الصحابي فضلا عن التابعي ثم هو معارض بما حكى عن غيره من التابعين، والثالث الأمر المنضم إليه ولا حجة فيه مع بطلانه في نفسه فإنه قد ثبت اعتبار الزيادة على الأربعين عن عمر بن عبد العزيز كما تقدم والروايتان عنه في سنن البيهقي فأخرج عن سليمان بن موسى أن عمر ابن عبد العزيز كتب إلى أهل المياه فيما بين الشام إلى مكة جمعوا إذا بلغتم أربعين، وأخرج عن أبي المليح الرقى قال أتانا كتاب عمر بن عبد العزيز إذا بلغ أهل القرية أربعين رجلا فليجمعوا، وأخرج عن معاوية بن صالح قال كتب عمر بن عبد العزيز قال أيما قرية اجتمع فيها خمسون رجلا فليؤمهم رجل منهم وليخطب عليهم ليصل بهم الجمعة، ويوافق اشتراط الخمسين ما أخرجه الطبراني في الكبير والدارقطني عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمعة على الخمسين رجلا وليس على ما دون الخمسين جمعة ولفظ الدارقطني على الخمسين جمعة ليس فيما دون ذلك لكنه ضعيف ومع ضعفه فهو محتمل للتأويل لأن ظاهره أن هذا العدد شرط للوجوب لا شرط للصحة فلا يلزم من عدم وجوبها على من دون الخمسين عدم صحتها منهم، وعندي أن الروايتين الواردتين عن عمر بن عبد العزيز ليستا باختلاف قولين له بل المراد منهما ومن حديث أبي أمامة المذكور ومن حديث جابر الذي احتجوا به للأربعين ومن الأثر الذي أخرجه البيهقي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال كل قرية فيها أربعون رجلا فعليهم الجمعة بيان شرط المكان الذي تصح فيه الجمعة لا العدد الذي تنعقد به فإن الجمعة لا تصح في كل مكان بل في مكان مخصوص إما مصر قال علي رضي الله عنه لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع، وإما بلد أو قرية ولا تصح في فضاء ولا صحراء فأريد بالأحاديث والآثار المذكورة بيان المكان الذي يصلح أن يسمى بلد أو قرية حتى تصح إقامة الجمعة فيه مع قطع النظر عن عدد من يصلح ولا يصلح أن يسمى بلدا أو قرية إلا ما كان فيها من الرجال قاطنا جمع نحو الأربعين والخمسين وما شاكل ذلك فذكر عمر في أحد كتبه الأربعين وفي بعضها الخمسين كل منهما على وجه المثال لا التحديد بالعدد المخصوص، ويفيد هذا أنه إذا قطن في مكان نحو هذا العدد صح أن تقام به الجمعة، ثم أن أقامها أقل من هذا العدد وهم بعض من فيها صحت منهم ويؤيد هذا التأويل الذي ظهر لي وأنه هو المراد ما أخرجه البيهقي عن جعفر بن برقان قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي الكندي انظر لكل قرية أهل قرار ليسوا بأهل عمود ينتقلون فأمر عليهم أميرا ثم مره فليجمع بهم، وأخرج عن الوليد بن مسلم قال سألت الليث بن سعد فقال كل مدينة أو قرية في جماعة وعليهم أميرا أمروا بالجمعة فليجمع بهم فإن أهل الإسكندرية ومدائن مصر ومداين سواحلها كانوا يجمعون الجمعة على عهد عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان بأمرهما وفيهما رجال من الصحابة، وأخرج عن عبد الله بن عمر الذي سئل عن القرى التي بين مكة والمدينة ما ترى في الجمعة فيها قال نعم إذا كان عليهم أمير فليجمع، ومما يؤيد أيضا أنها ذكرت لبيان المكان الصالح لا العدد الحاضر أن في حديث جابر الذي استدلوا به للأربعين عطفا على جمعة وفطر وأضحى فلو كان الحديث لبيان اشتراط الأربعين في الجمعة وأنها لا تصح ممن دونهم للزم مثل ذلك أيضا في الفطر والأضحى فكان يشترط في صحتهما حضور الأربعين ولا يصحان ممن دونهم وليس كذلك فعلم أن المراد بيان المكان الذي يصلح لمشروعية إقامة الجعة والأعياد فيه بحيث يؤمر أهله بذلك وبالاجتماع له ثم أي جمع أقام الجمعة صح ذلك منهم وأي جمع أقام الأعياد صح ذلك منهم، ومما يؤيد ذلك أيضا التعبير بفي حيث قيل في كل أربعين جمعة دون (من) وسائر حروف الجر فدل على أن المراد بالعدد إيقاعها فيهم لا منهم ولا بد وذلك صادق بأي جمع أقاموها في بلد استوطنه أربعون وهذا استنباط حسن دقيق، والحاصل أن الأحاديث والآثار دلت على اشتراط إقامتها في بلد يسكنه عدد كثير بحيث يصلح أن يسمى بلدا ولم تدل على اشتراط ذلك العدد بعينه في حضورها لتنعقد بل أي جمع أقاموها صحت بهم وأقل الجمع ثلاثة غير الإمام فتنعقد بأربعة أحدهم الإمام هذا ما أدانى الاجتهاد إلى ترجيحه وقد رجح هذا القول المزني كما نقله عنه الأذرعي في القوت وكفى به سلفا فى ترجيحه فإنه من كبار الآخذين عن الإمام الشافعي ومن كبار رواة كتبه الجديدة وقد أداه اجتهاده إلى ترجيح القول القديم، ورجحه أيضا من أصحابنا أبو بكر بن المنذر في الأشراف ونقله عنه النووي في شرح المهذب قال الماوردي في الحاوي قال المزني احتج الشافعي بما لا يثبته أصحاب الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة جمع بأربعين انتهى، وهذا هو الذي استدل به الرافعي في الشرح وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه لم أره ثم أورد حديث كعب وقال أنه لا دلالة فيه ثم قال الماوردي وقد قدح في حديث كعب بأنه مضطرب لا يصح الاحتجاج به لأنه يروي تارة أن مصعبا صلى بالناس ويروي تارة أخرى أن سعد بن زرارة صلى بهم وروى تارة بالمدينة وتارة ببني بياضة فلأجل اضطرابه واختلاف روايته لا يصح الاحتجاج به قلت ومن اضطرابه أنه روى أنهم كانوا أربعين وروى أنهم كان اثنى عشر كما تقدم، ثم قال الماوردي ومن الدليل ما روى سليمان بن طريف عن مكحول عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا اجتمع أربعون رجلا فعليهم الجمعة، وهذا الحديث أورده صاحب التتمة ثم الرافعي، وقال الحافظ ابن حجر في تخريجه لا أصل له، وأورد الرافعي وغيره حديث أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا جمعة إلا بأربعين قال الحافظ ابن حجر أيضا ولا أصل له وقال ابن الرفعة في الكفاية أن انتفت الأدلة المنصوصة علي اعتبار الأربعين قلنا الأصل الظهر عاما وإنما يرد إلى ركعتين بشرائط منها العدد وأصله مشروط بالإجماع ولم ينقل عن الشارع لفظ صريح في التقدير وفهم منه طلب تكثير الجماعة لأنه لم يشرع جمعتين في بلد فأكثر كما في غيرها من الصلوات وأكثر ما قيل فيه أربعون فأخذنا به احتياطا ثم قال وقد اعترض بعضهم على هذا بأن الإمام أحمد اشترط في عقدها خمسين في أحد قوليه قلت وحاصل ما ذكره ابن الرفعة أنه لم يوجد دليل من النص على اعتبار الأربعين فعدل إلى هذه الطريقة من الاستدلال، وهذا هو الذي عول عليه الماوردي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم وتبعهم الرافعي والنووي. (خاتمة) اعلم أن ترجيحنا لهذا القول أولى من ترجيح المتأخرين جواز تعدد الجمعة فإنه ليس للشافعي نص بجواز التعدد أصلا لا في الجديد ولا في القديم وإنما وقع منه في القديم سكوت فاستنبطوا منه رأيا بالجواز ثم زادوا فرجحوه على نصوصه في الكتب الجديد وهو نفسه قد قال لا ينسب لساكت قول فكيف ينسب إليه قول من سكوته ويرجح على نصوصه المصرحة بخلافه وأما الذي نحن فيه فإنه نص له صريح وقد اقتضت الأدلة ترجيحا فرجحناه فهو في الجملة قول له قام الدليل على ترجيحه على قوله الثاني فهو أولى ممن ترك نصه بالكلية وذهب إلى ترجيح شيء خلافه لم ينص عليه البتة ثم يصير لهذه المسألة أسوة بالمسائل التي صحح فيها النووي القول القديم كمسألة امتداد وقت المغرب إلى مغيب الشفق ومسألة تفضيل غسل الجمعة على غسل الميت ومسألة صوم الولي عن قريبه الميت وأشباه ذلك.
مسألة: شخص من أبناء العرب يلبس الفروج والزنط الأحمر وعمامة العرب اشتغل بالعلم وفضل وخالط الفقهاء فأمره آمر أن يلبس لباس الفقهاء لأن في ذلك خرما لمروءته فهل الأولى له ذلك أو الاستمرار على هيئة عشيرته وما جنس ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم يلبس تحت عمامته وما مقدار عمامته وهل لبس أحد من الصحابة في عهده صلى الله عليه وسلم الزنط والفروج. الجواب: لا إنكار عليه في لباسه ذلك ولا خرم لمروءته لأن ذلك لباس عشيرته وطائفته ولو غيره أيضا إلى لباس الفقهاء لم يخرم مروءته فكل حسن ذاك لمناسبته أهل جنسه وهذا لمناسبته أهل وصفه وقد ذكر البارزي في توثيق عرى الإيمان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس القلانس تحت العمائم ويلبس القلانس بغير عمائم ويلبس العمائم بغير قلانس ويلبس القلانس ذوات الآذان في الحروب وكثيرا ما كان يعتم بالعمائم الحرقانية السود في أسفاره ويعتجر اعتجارا قال والاعتجار أن يضع تحت العمامة على الرأس شيئا قال وربما لم تكن العمامة فيشد العصابة على رأسه وجبهته وكانت له عمامة يعتم بها يقال لها السحاب فكساها علي بن أبي طالب فكان ربما طلع علي فيقول صلى الله عليه وسلم (أتاكم علي في السحاب) يعني عمامته التي وهب له - هذا ما ذكره البارزي، وروى البيهقي في شعب الإيمان عن ركانة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس) قال القزاز القلنسوة عشاء مبطن يستر به الرأس، وروى البيهقي أيضا عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس قلنسوته بيضاء. دل مجموع ما ذكر على أن الذي كان يلبسه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة تحت العمامة هو القلنسوة ودل قوله بيضاء على أنه لم يكن من الزنوط الحمر وأشبه شيء أنها من جنس الثياب القطن أو الصوف الذي هو من جنس الجباب والكساء لا الذي من جنس الزنوط، ويوضح ذلك ما رويناه في سداسيات الرازي من طريق رستم أبي يزيد الطحان قال رأيت أنس بن مالك بالبصرة وعليه قلنسوة بيضاء مضربة، وفي السداسيات أيضا من طريق أم نهار قالت كان أنس بن مالك يمر بنا كل جمعة وعليه قلنسوة لاطئة ومعنى لاطئة أي لاصقة بالرأس إشارة إلى قصرها وإنما حدثت القلانس الطوال في أيام الخليفة المنصور في سنة ثلاث وخمسين ومائة أو نحوها وفي ذلك يقول الشاعر: وكنا نرجى من إمام زيادة *** فزاد الإمام المصطفى في القلانس وأما مقدار العمامة الشريفة فلم يثبت في حديث وقد روى البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد السلام قال سألت ابن عمر كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتم قال كان يدير العمامة على رأسه ويغرزها من ورائه ويرسل لها ذؤابة بين كتفيه، وهذا يدل على أنها عدة أذرع والظاهر أنها كانت نحو العشرة أو فوقها بيسير، وأما الفروج فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم لبسه - رواه البخاري عن عقبة بن عامر قال أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم فروج حرير فلبسه فصلى فيه ثم انصرف فنزعه نزعا شديدا كالكاره له وقال لا ينبغي هذا للمتقين، قال العلماء الفروج هو القباء المفرج من خلف، وهذا الحديث أصل في لبس الخلفاء له وإنما نزعه صلى الله عليه وسلم لكونه كان حريرا وكان لبسه له قبل تحريم الحرير فنزعه لما حرم، وفي صحيح مسلم أنه قال حين نزعه نهاني عنه جبريل. مسألة: رجل ليس له إلا ثوب فغسله ولبس ثوبا قصير الكم وخرج به بين الناس فهل في ذلك من عيب أو يقدح في الدين وإذا أنكر عليه أحد فهل هو مصيب في إنكاره أو مخطئ. الجواب: ليس في هذه اللبسة من عيب ولا تقدح في الدين بل التقشف في الملبس سنة حض عليها سيد المرسلين وهو شعار السلف الصالحين ونص أصحابنا على أنه يستحب تقصير الكم فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كمه إلى الرسغ وأنه لبس جبة ضيقة الكمين وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام تطويل الأكمام بدعة مخالف للسنة وإسراف، وروى الترمذي حديث (من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الجنة شاء يلبسها) وروى ابن ماجة عن عبادة بن الصامت قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وعليه جبة رومية من صوف ضيقة الكمين فصلى بنا فيها ليس عليه شيء غيرها، وروى ابن ماجة عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصا قصير اليدين والطول، وروينا من حديث أبي هريرة ثلاثة يدخلون الجنة بغير حساب رجل غسل ثوبه فلم يجد له خلفا - الحديث، والأحاديث في هذا والوعيد لمن لبس ثيابا وافتخر بها كثيرة والعجب ممن ينكر مثل هذا وهو سنة ولا ينكر على من يلبس الحرير الذي هو حرام بل يخضعون لمثله ويعظمونه ولكن من اشراط الساعة أن تنكر السنة وتقر البدعة ولا حول ولا قوة إلا بالله. مسألة: خضب الرجل لحيته ويديه ورجليه بالحناء هل يجوز له من غير ضرورة أم لا وهل المرأة والرجل في ذلك سواء، أم لا وهل ورد في ذلك شيء من السنة الشريفة. الجواب: خضاب الشعر من الرأس واللحية بالحناء جائز للرجل بل سنة صرح به النووي في شرح المهذب نقلا عن اتفاق أصحابنا لما ورد فيه من الأحاديث الصحيحة منها حديث الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن اليهود والنصارى لا يصبغونهم فخالفوهم) وروى مسلم عن جابر قال أتى بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (غيروا هذا واجتنبوا السواد) وأما خضاب اليدين والرجلين بالحناء فيستحب للمرأة المتزوجة وحرام على الرجال إلا لحاجة - هكذا قاله أيضا في شرح المهذب قال ومن الدليل على تحريمه للرجال ما رواه أبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال ما بال هذا فقيل يا رسول الله يتشبه بالنساء فأمر به فنفى إلى البقيع، ومنها حديث الصحيحين عن أنس أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يتزعفر الرجل قال النووي علة النهي اللون لا الرائحة فإن ريح الطيب للرجل محبوب والحناء في هذا كالزعفران، والأحاديث في استحبابه للنساء المتزوجات كثيرة مشهورة.
|